الأكثر زيارة

الأربعاء، 20 يوليو 2011

محمد شظاف... معلماً ومسرحياً وانتحارياً !



نصف عقد أو أكثر مضت على آخر لقاء جمعني مع أحد انتحاريي تفجيرات مايو الشهيرة التي أيقظت العاصمة السعودية الرياض فجراً قبل سنوات، دون أن يغادر ذلك المشهدُ ذاكرتي. التقيت مع محمد شظاف الشهري ظهيرة يوم أربعاء، في بهو ثانوية مجمع الملك سعود التعليمي، وقت نهاية الدوام المدرسي، وكنا وقتها طلاباً له في بدء التعليم الثانوي، بينما كان الشهري مدرساً لنا يقدم لنا مادة الأحياء، والبسمات المتواترة.

بعد أشهر من التتلمذ على يديه انفصلت الخُطى ولم أعد أراه مُطلقاً. سنوات مضت جرت فيها مياه تحت الجسر وعصفت به دون أن أتبيّن من أخبار الشهري شيئاً سوى ما تناثر من أخبار على صدر الصحف عن المعلم الكوميدي الجديد الذي انتقل إلى عمل في قناة فضائية إسلامية. استمر الشهري مذيعاً يُقدّمُ برنامجا فكاهياً أسبوعيا يساعده في ذلك موهبته الفذة التي استمدها من سنوات العمل على مسرح جامعة الملك سعود ذات الخمسين ربيعاً حتى اختفى عن الأنظار فجأة.

أتذكرُ ذلك اللقاء الأخير بيننا كما لو أنه كان يحدث أمامي هذه اللحظة. كان الغرض حواراً لمجلة المدرسة التي أحررها رفقة طيف متنوع من الأصدقاء وقت كنا في مطلع العمر ومطلع الحبر ومطلع فجر الآمال الجديدة. ومثلما كان يضحكنا على المسرح المدرسي كنّا في أتم الحرص على أن يكون الشهري معنا كي يضحك القراء أيضاً. ثلاث ورقات كنت أحتفظ بها من إجاباته بخط يده على أسئلتنا تاهت في زحام الذاكرة وورق الأرشيف ولم يبق سوى مسرحية لم تعد توجد الآن في الأسواق السعودية بعد منع كل أدبيات العنف والمتورطين به.

لم أعد أتذكر على التحديد أي عام قرر محمد الشهري ورفقاؤه اختيار مسرحية "المهرّج" الشهيرة للعصفور الأحدب سيدنا محمد الماغوط لنقلها مسرحياً. في رأيي وقتها أنه كان اختيارا طليعياً لا يتوقع من جامعة كانت ترزح تحت وطأة تيار فكري محافظ. النص المسرحي تم خلقه من جديد ليكون برؤية أكثر محافظةً بما يتلاءم مع نهج الجامعة آن ذاك مما أفقده الكثير من جمالياته لمن قرأ النص الأصلي واندغم لا إرادياً بعوالم الماغوط وسماواته.

في هذه الأيام (مايو/2006) تحل الذكرى الثالثة لأعنف تفجيرات شهدتها المملكة العربية السعودية. الساعات الأولى من فجر 12 مايو 2003 لم يكن فيها جديد داخل الرياض التي تمارس سهرها المعتاد وروتينها اليومي. دقائق مضت حتى تحركت أسلاك الهواتف المرئية واللامرئية لتنقل الخبر المثير الذي كسر رتابة فجر العاصمة وليلها. انفجار في مجمع سكني في حي "الحمراء" دون معرفة منفذيه وأبطاله حتى اللحظة وقت ذاك وتبعه بعد دقائق قليلة انفجاريين في مكانين مختلفين.

قادني الفأر الصحافي بطبيعته إلى أول مكانٍ شهد انفجاراً داخل الرياض. وصلتُ هناك وإذ بي داخل صف كبير من متجمهرين جاؤوا للإطلاع على ما حدث يتملكهم الذهول والفضول في آن. أشخاصٌ كثر حاولوا التسلل أكثر للإطلاع من كثب على جهود قوى الأمن السعودية وسيارات الإسعاف في إنقاذ ما يمكن إنقاذه والقبض على ما يمكن القبض عليه من متورطين في الحادثة. لم يكن أحد ٌ يعلم وقتها أن المجمع قد استهدف عبر انتحاريين سعوديين.

المكان مُضاء بالكثيرة من الأجهزة الكاشفة التي وضعتها السلطات لمراقبة محيط المكان. في السماء هناك طائرتا هيلكوبتر مزودة بضوء كاشف تسلط أضواءها جيئةً وذهاباً على أماكن مختارة من محيط المجمع المنكوب. استمرّت المناكفات بين رجال الأمن والمتجمهرين. رجال الأمن السعوديون بدوا متشددين إزاء كل من يحاول الدخول إلى مسرح الحادثة. مع الوقت أخذت طباعهم تشتد وبدؤوا في تفريق المجتمعين بقوّة.

ساعات مضت على اكتمال التفجيرات الثلاث وسط دهشة سعوديين كُثر لم يُصادفوا هجمات تفجيرية بهذا العنف سابقاً. التفجيرات وأحاديثها غدت الشغل الشاغل للكثير من السعوديين الذين زاد التصاقهم بالقنوات التلفزيونية أكثر بحثاً عن كل طارئ يستجد أو معلومة أو تحليل عن الحادثة وتطوراتها وأبعادها. جاء بيان وزارة الداخلية السعودية سريعاً لكشف أسماء المتورطين في الحادثة. أسماء تمر في أذني دون أن أعبأ بها. فجأة يلمع أسم الشهري في الذهن. أعود فأتأكد من الاسم لأراه هو هو فعلا. أي خيبة يا سيدي أي خيبة؟.

نقل عن محمد شظاف الشهري قوله قبل الهجمات في تسجيل بثته مواقع الكترونية أصولية "قد جئناكم يا أميركان بالذبح فانتظرونا.. وهذا العمل هدية الى موكب النور.. ذلك الموكب الكريم...الذي سار فيه المجاهدون والشهداء في طريـق قد فـرشـوه بالاشلاء ورووه بالدماء وسوروه بالجماجم... إلى الأسرى في كوبا والى الاسرى والمعتقلـيـن في جـزيرة العـرب وفي كل مكـان من بـلــدان العالم.. إلى شيخي وحبيبي الشيخ أسامة بن لادن".

ولد محمد الشهري منتصف السبعينات في قرية ثلوث المنظر في منطقة عسير (جنوب السعودية) واكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية في قريته وفي قرية مجاورة لها قبل أن ينتقل للدراسة في جامعة الملك سعود، ويتزوج خلال تلك الفترة ليعمل بعد التخرج في المجمع التعليمي لجامعة الملك سعود الذي خصص لأبناء منسوبي الجامعة والطامعين فيها وله من الأبناء ولد وبنت كما تقول مصادر متفرقة.

في إحدى الأسئلة سألته عن آخر كتاب قرأه. لم يجب على السؤال وترك مكانه فارغاً. بالتأكيد هو لم يكن يقرأ.


هناك 21 تعليقًا:

  1. أذكر شاهدت له مسرحية مبدعة مع فريق العمل ، صدمت بعدها بفترة ليست طويلة أنه أحد المفجرين. كان يمكن أن يترك بصمة جميلة على مسرح الحياة، ولكنه أختار طريقه. تحياتي لك

    ردحذف
  2. شكرا عزيزتي سمر، بالفعل كان من الممكن أن يصنع لنا البهجة والحياة، لك التقدير... سلطان

    ردحذف
  3. كان زميلي في الثانويه وبالمناسبه درس الثانوي في الرياض ،، وكان خفيف دم ومقبول من الجميع قابلته في الجامعه بعد سنتين و هو مطوع و انقطعنا حتى قريت اسمه مع الانتحاريين وكانت الصدمه.

    ردحذف
  4. تاريخك مفاجأت كصاحبة...!!

    ردحذف
  5. وسأظل دائما مفاجأة، شكرا لمرورك الذي ينثر الياسمين في الطرقات

    ردحذف
  6. عبدالله الهويمل31 يوليو 2011 في 2:26 ص

    مدونه رائعه استاذ سلطان سأحرص على متابعتها

    بعد ان ثبتتها بالمفضله

    ردحذف
  7. الموت مصيبة كبيره تصيب بني البشر وهم لا يطيقونه ولايطيقون حتى الحديث عنه ، لا مشلكه نطيق او لانطيق ، ولكن المشكله عندما تختار طريقة خاطئة لترحل بها ومن اجلها من هذه الدنيا !، تنتاب بني البشر احيانآ افكار غريبة حمقاء يقهقه منها الشيطان ! ، ويكمن الحمق والغباء في شخص يبذل روحه رخيصة لأنه ابتداء سلم عقله لأمعه سلم عقله لأخر ، وهكذا امعه يتبع امعه ، حتى عم البلاء ، ما أعظم الثمن الذي قدمه هذا الانتحاري وما ارخص السلعه التي حصل عليها ! ،اسأل الله العلي القدير أن يغفر للجميع ويتجاوز عنا ويعفو عن الزلل .
    مدونه رائعه يا ابو قحط ، واتمنى قراءة مقالي اخي سلطان في بانوراما عربية والأدلاء برأيك القيم والمقال بعنوان المسيار لايتجاوز حدود الأعضاء التناسلية .

    ردحذف
  8. كنت باليوتيوب اشوف المسرحيات القديمه واضحك بس لما قريت بالردود الله يرحمك يامحمد ؟؟؟؟

    هذا الي كنت اضحك عليه وانا صغيره واغني معه " قرطاس ، قرطاس " ... صار انتحاري ؟؟؟

    :(

    ردحذف
  9. سلطان انت دائما تضع نفسك في مكان انت لا تستحقه
    انت انسان عادي فلا تحاول انك تتعدى سقفك ورحم الله رجل عرف قدر نفسه

    ردحذف
  10. قسم بكيت من الصدمه ماتوقعت اللي سواه الله يرحمه ويغفرله فعلا ذكريات جميله وانا اتابع مسرحيات لكن الان أحزن

    ردحذف
  11. في احـدى المنتديـات شاهـدت صـور تفجيـرات مايـو أو ( غزوة مجمّـع الحمراء) كمـا يطلقـون عليهـا , وتابعـت التعليقـات التـي كانت بالتتابـع تكيـل الشتائم مابين لعـّـان ومابين من ردد المصطلحات المتعارف عليها ( ارهابيين , مغرر بهـم , خوارج , فئـة ضالة ) والكثير الكثيـر من النعـوت , لكن تساؤل احد المشاركين جعلني اقف لحظـات أمامـه بلآ جواب ! كان قـد كتب ( نحن دائمـا ً نتحـدث عن النتائـج , لماذا نتـرك الأسبـاب التي دعـت كل هؤلاء المجاميـع للإلقاء بأنفسهم إلى التهلكـه مباشرة ً ! لماذا نترك الأسباب ونرّكز فقط على النتائج ؟؟ سؤال يستحق البحث :)

    ردحذف
  12. رحم الله محمد بن شظاف الشهري .. صعقنا جميعاَ عندما صدمنا بالخبر .. لطالما رسم الضحكات على وجوهنا .. اتذكر كنا ونحن اطفال نشغل المسرحيات في جهاز الفيديو وجدي كان يجلس معنا وكنا نستمتع بالمشاهدة وكل يوم نعيد المسرحيات .. اقسم بالله انه زمان جميل وايام نقيه وقلوب صادقة .. بعيداً عن كل الفتن والبلاوي والمصائب .. والله اني اكتب الان ودمع العين ينهمر على ذاك الزمان الطاهر .. اللهم اسعدنا واصرف عن الفتن .. ما ظهر منها وما بطن ..

    ردحذف
  13. هؤلاء مغرر بهم وقد قتلوا معاهدين ولم يعلموا معنى كلمة معاهد بل خالفوا النبي عليه السلام في ذلك ولو لديهم قليلا من العلم الشرعي لم يكن لاحد منهم ان يفعل ذلك ولكن العاطفة غلبت على الشرع والعقل لديهم فكان ماكان ولاحول ولاقوة الا بالله . وليت شعري لوكانوا مع اهل العلم والتقى والراسخين في العلم لكان هؤلاء في سلامة وعافية من تلطيخ ايديهم بالدماء المعصومة . افيقوا ايها الشباب واحذروا الانجراف تحت الرايات العمية اني لكم ناصح امين.

    ردحذف
  14. أتذكر رف أشرطة الفيديو فوق التلفزيون مباشرة، كان عمري ٨ سنوات.. ولم أكن أفهم مالذي يجري بالضبط. سألت أمي: "يعني إيش إرهاب؟". أعطتني إجابة مبهمة. عشر سنتميميترات تفصل بين أشرطة مسرحيات جامعة الملك سعود، كوميديا وأغاني وجماهير تضحك وتصفق. وبين إطار التلفاز يبروز صورة مبنى منقض وشظايا متناثرة مع ضجة في الخلفية.
    ظللت ألصق ملصقات "لا للإرهاب" في كل مكان بدون أن أفهم. الشيء الوحيد الذي فهمته أن الملصق يعني: "لا نريد لمنظر المبنى المرعب الذي ظهر في التلفاز سابقاً مرة أخرى!". بكل بساطة!
    كبرت ولا زلت أحفظ مقاطع لحارس السجن في مسرحية المنحوس.. "هذا نظام، انت ترضى يرقى أحد فوق النظام؟" .وقبل يومين قلت هذه العبارة لأخي مازحة، ثم أخبرني لأول مرة المصير الذي لحق بقائل تلك العبارة!
    ظننت أني فهمت الإرهاب في سني هذه، لكن تبين لي اليوم بأنني لا أفهمه، ولن أفهمه. وسأظل أعلق الملصقات كما فعلت وأنا ذات الثمان سنوات. بدون أن أكون محللة سياسية أو ممثلة لفكر معين. مطلبي الوحيد: "لا أريد من كانوا يوماً سبباً في إضحاكنا أن يكونوا سبباً في إبكائنا"

    ردحذف
  15. إنا لله وإنا إليه راجعون، انفجعت بالقوة لما عرفت إنه كان من المفجرين، كنت أحب تمثيله وإبداعه.

    ردحذف
  16. رحمة الله عليك يا محمد الشهري كم اضحكتنا واسعدتنا الله يتجاوز عنا وعنك

    ردحذف
  17. فيه ناس تترحم على مجرم قتل ناس بريئه واطفال خاصه؟ابو البنت لهالحين والله يبكي عليها

    ردحذف
  18. ما أدري اذا بلاقي رد ع السؤال هذا لاني جيت بعد عقد كامل من هذا التدوينة لكن مكتوب بالتدوينة انه كان عنده برنامج في احد القنوات !!
    ما أذكر ان الشهري طلع في احد القنوات كمذيع برامج !
    وش اسم البرنامج اذا احد يذكر

    ردحذف
  19. ما طلع إلا لحظات بسيطة، ما له برنامج خاص

    ردحذف