الأكثر زيارة

الاثنين، 22 سبتمبر 2014

نوري المالكي... ليس لدى الكولونيل من يكاتبه!

الراي الكويتية: الشخص الوحيد الذي لم يكن يعرف أن نوري المالكي يواجه مشكلة، كان نوري المالكي نفسه، فرئيس الوزراء العراقي السابق، ظل يتراقص على الحبال عدة أشهر، محاولا تجاهل المشكلة، حتى حانت القارعة!

كانت ولاية المالكي أحد فصول مسرح اللامعقول التي سيتوقف عندها التاريخ طويلاً، بعد أن أُعطي المالكي عراقاً كامل الأركان، والمكونات، والصفات، جعلنا نفكر كم عراقاً سيخرج إلى الخريطة، بعد فشله في إدارة الأزمة التي تخنق بلاده، ثم وصلنا إلى الحقيقة المرة: شبح التقسيم يخيم على بلد أكرمته الطبيعة بكل ما يحتاج، وأفاض عليه التاريخ بما لم يحلم به الآخرون.


طوال سنوات حكمه كان المالكي بارعاً في جعل الآخرين يفقدون الثقة به، لذلك نرى تلك العزلة التي لم يجد منجاة منها إلا بالتحالف مع الأسد المتهالك. أول شخص تمكن من فهم المالكي كان العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز. اكتشف الملك من خلال لقاء واحد أن الرجل لا يملك أوراقا في بغداد، بل في المكتب الرئيسي في طهران، الراعية والموجهة. مع ذلك تصابر السعوديون والخليجيون من بعدهم، كي يحافظوا على كيان العراق الكبير.

جيران العراق يعرفون أن بلدا بهذا الحجم ليس من الحكمة ترك مصيره للصدف، لذلك فإن الخليجيين كانوا اول من مد يده للمالكي بعد نجاح العملية الانتخابية الأولى، كي يعيد للعراق بنيانه وكيانه. أول زيارة خارجية لرئيس وزراء العراق الجديد قادته إلى الرياض، وهناك قُدّم له ما لا يتوقع.

كانت الرياض متحمسة جداً لدرجة أن الجهاز الملكي فكّر في ترشيح سفير من الأسرة المالكة كي يمثل المملكة في العراق، رغم أن الديبلوماسيين لم يكونوا متحمسين للعمل هناك بسبب الأوضاع الأمنية. قررت الحكومة السعودية أن تعطي ميزات كبرى للجهاز الديبلوماسي الذي سيعمل في العراق، وزيادة مخصصاتهم المالية، بل يمكن لهم الحصول على إجازة لمدة شهر واحد عن كل شهرين عمل في بغداد، وبعد عامين يمكن لهم اختيار أي سفارة سعودية في العالم. كان الهدف أن تظهر الرياض رغبتها الحقيقية في أن يتجاوز العراق العاصفة.

قلة من المحللين فقط كانوا يعرفون أن شهور العسل هذه بين الجارين، كانت بسبب الهدوء الذي تشهده العلاقات بين الرياض وطهران. كانت العاصمتان المتشاكستان قد اتفقتا دون اتفاق، عن طريق الإشارات والهمسات، أن لكل دولة حدود تحرك واضحة في المنطقة. ثم دخل رئيس شاب عديم الموهبة اسمه بشار الأسد، ليربك المشهد السياسي، ودخلت المنطقة في ليل من الأنفاق المظلمة!

تعهد المالكي خلال لقائه بالعاهل السعودي أن يعيد للعراق وضعه السياسي، واستقلاليته، ويحافظ على جميع مكوناته المذهبية، والعرقية، ويكثف جهود التنمية، وحين استمر المالكي في التكاذب قرر السعوديون أن تطوى صفحته، وعبثا حاولت الحكومة الأميركية اقناع السعوديين بإعطائه فرصة جديدة. الذين يقولون إن موقف الرياض بسبب طائفة المالكي نسوا الاستقبال الاحتفالي لمقتدى الصدر في جدة، حين التقى الملك وتم ترتيب زيارة الأماكن المقدسة بما يليق برئيس دولة لا يرأس.

لم تخطط الرياض سياستها يوما وهي ترتدي عدسات المذهب أو الطائفة. دول الخليج كذلك. يمكن أن أسميها «قوى التسكين»، فقد كانت ولا تزال، دولا ولعة بتسكين كل متحرك، لأن الاستقرار هو الأكثر ضمانة للتنمية، ولأن أفعال الحركة في منطقتنا العربية دائما لا تحمل بشائر خير.

عيب دول الخليج أنها لم تدخل مع القوات الأميركية بغداد، كما فعلت طهران خلف السُتر. تلكأت السعودية ثم دول الخليج في التدخل في العراق تحت الاحتلال الأميركي. كان بندر بن سلطان سفير الرياض في واشنطن حينها، يحرّض رؤساءه طالبا التدخل، فلا أحد يستطيع أن يمنع الحرب على العراق، لذلك فإن الحل المنطقي كان يقضي بأن تتعامل الرياض مع الواقع الجديد. على الضفة الأخرى لم تجد طهران غضاضة في الدخول مع الاحتلال الأميركي، كي تمسك بخيوط اللعبة، وتبث أجندتها. قال لي صديق عراقي في لندن: «أنتم ابتعدتم عن العراق بينما كان السفير الإيراني يتجول في العراق على دراجته النارية».

بعد احتلال العراق 2003 كانت السعودية تعرف أن نجاح أميركا في بسط سيطرتها الاستعمارية على بغداد سيجعلها ترسل أوامرها بالفاكس إلى الرياض، وستكون ضاغطا كبيرا على المملكة. لحسن الحظ فشلت أميركا في بسط نفوذها، بل إن حتى الاتهامات للمسؤولين السعوديين بدعم الإرهاب في العراق لم تجد سندا قوياً.

حاولت واشنطن الضغط على الرياض كي تتعامل مع نظام المالكي، لكن رفضت وساقت الحجج لذلك، وقدمت وثائق تثبت طائفية المالكي. فيما بعد قال المسؤولون الأميركيون ان الوثائق التي قدمتها الرياض، وبررت فيها رفضها التعامل مع المالكي، كونه متطرفا ضد السنة، هي دليل على عدم شفافية الرياض. على الضفة الأخرى السعودية تعمق الإحساس والارتياب في نوايا أميركا.

مأساة العراق وحاكمية أن الجميع جاوز حدود المنطق حتى في الانتقام. كان من الممكن الانتقام من حزب البعث، دون تفتيت عضائد الطائفة السنية في بغداد، وتفعيل القانون ليكون مظلة فوق الجميع، لا وسيلة لابتزازهم.

كان المالكي زعيم العبثية السياسية في المنطقة، برفقة آخرين، وهو الآن صفحة طويت. كرهنا للمالكي وحلفائه الطائفيين مبرر، لكن غير المبرر ان يكون البديل تقسيم العراق، فهذه بوابة إذا فتحت ستكون مشرحة جديدة لدول المنطقة.

العراق الآن بزعيم جديد، الحل فتح كافة الأبواب له، مع تذكيره: لن تنجح إن كنت مالكي آخر!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق