محافظة "الصخيرات" المغربية تسند رأسها على المحيط الأطلسي منذ بدء الخليقة دون أن تخشى البلل، فيما عيناها متحفزتان نحو نيويورك الأميركية بشكل مباشر، إذ لا يفصل بينهما سوى هذا المحيط الأزرق اللا متناهي الذي تسترخي على كتفه.
بإصبعه السبابة يشير ناشر "إيلاف" ومؤسسها عثمان العمير إلى البحر وأمواجه المتراقصة مداعباً: "لو سبحت من هنا لن تعود إلا من نيويورك". نُكمل غداءنا على عجل، نتحدث على عجل أيضاً، كون أن الإرهاق قد بلغ منا مبلغه بعد تعب الرحلة الطويلة.
كنا وصلنا الصخيرات منتصف النهار بعد أخذنا قطاراً إلى الدار البيضاء، ومن هناك أكملنا المسير بالسيارة. نحو ثلاث ساعات قضيناها في قمرة واحدة لا شريك لكلينا. حديث طويل ينساب في مغاور شتى، ويتخلله الشعر والمتنبي والجواهري آخر قلاع الكلاسيكية الشعرية في العالم العربي. في أحد أركان منزله، حيث يحتفظ بنحو عشر لوحات نسجتها يدا جبران خليل جبران، كان العمير يقرأ إحدى قصائد صديقه الشاعر العراقي الراحل محمود الجواهري، التي سمعها منه مباشرة قبل أشهر من رحيله.
اختار العمير المغرب مقراً له ولإمبراطوريته الصحافية العثمانية التي قوامها ست صحف وسابعةٌ تنتظر محين ولادتها، وذلك منذ وقت طويل قبل أن يشتري إحدى أعرق مؤسساته الصحافية "موروكو سوار" بمبلغ يناهز مائة وأربعين مليون درهم مما يعدّون.
ولا يخفى على العارفين ببواطن الأمور وظواهرها تلك العلاقة المتميزة التي تجمع سيدنا الصحافي الكبير بملكي المغرب الراحل وسلفه الحالي صاحب نزعة التحديث في المملكة المتوثبة، إذ حفلت علاقته مع الملك الراحل الحسن الثاني سيد المسيرة الخضراء والتحرير الأبيض بالعديد مع العلامات المتميزة.
لذلك فإن العمير لا يستطيع أن يكون حيادياً حين يتم الحديث عن الملك المغربي، ولا أن يكون سوى متطرفاً في حب الملك الراحل الذي قال له في إحدى "قدسياته" إن علاقتهما في اللوح المحفوظ ولن تُمحى، وأن أسم عثمان حين يأتي ذكره يلج عبر بوابة القلب مباشرة دون مرور عبر مصفاة العقل كما يفعل الملك الراحل مع صحافيين آخرين، في حين أن العلاقة الحميمية لا تختلف كثيرا عن العلاقة مع الابن الحداثي الذي يقود مملكة المغرب الحالية "على طريقة الخاصة" كما سبق وأن قال ذلك لعثمان العمير بعد وفاة الملك الحسن بأسابيع.
على غير مبعدة من أحد فنادق العمير السابقة يكمن قصر الصخيرات الأبيض حيث دارت معركة الانقلاب ضد الملك الحسن التي كان أحد قادتها محمد المذبوح في تموز 1971 ليفرش الدم أغطية موائد القصر آن ذاك، وهي المدينة الهادئة التي لم تعتد على أصوات الأعيرة النارية قبل ذاك، غير أنها تتأهب لتشييد أكبر كازينوهات المنطقة، مما يسهم بشكل كبير في إشباع نهم السياح الآتين للاستمتاع بالبحر ومقبلاّته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق