الأكثر زيارة

الأحد، 10 يوليو 2011

فردة حذاء بانتظار سندريلا الضائعة

نصفُ سريرٍ فارغ

طالما أنه يحبُّ الليل لهذه لدرجة فإنه بالتالي سيكون أكثر الأشخاص شعوراً بالوحدة. في آخر رمق من الليل يتحول هذا السرير الواسع إلى جحيم بالنسبة إليه، كونه لا يسيطرُ إلا على نصفه، في حين يظل نصف السرير الآخر فارغاً. لسنوات طوال تجاوز العشرين عاماً يرى هذا النصف فارغاً، ويتساءلُ:"إلى متى"؟.


كم كان يتمناها كل مساء أن تقذف بشعرها القمحي على صدره. ليس طامعاً بأكثر من أن يعيد ترتيب شعرها بمشط أصابعه آناء الليل، حين تكون اللحظة مثيرةً للضجر، أو على أقل تقدير أن تسكب له صوتها في إناء أذنيه اللتين أصابهما القحط.

إنه ليلُ الرياض. في ليل الرياض الجاف يخرجُ مفتشاً عن كل شيء، وعن لاشيء. ريح نوفمبر الخافتة تداعب أغصان قلبه، ضلوعه المصطفة إلى جوار بعضها باحترام بليغ، سترته المفتوحة على كافة تنبؤات المساء اليتيم. كل شيء هنا مدعاة لليتم حتى في التجمعات اللا مكتملة بين أصدقاء لا جامع لهم سوى الضحك والقهوة السوداء.

السماء جميلة أحياناً. سقف الغرفة ابيضٌ هادئ. الستائر مسدلة لا يخترقها سوى ضوء طفيف، مضيفةً ألقاً لا يُضاهى على حيطان الغرفة. الأريكة التي أمام التلفاز مكتنزة وأنيقة. البيانو النحيل يستلقي على أرض الغرفة دون سيقانه الخشبية. كل شيء جميل هنا.

لكن يبقى نصفُ السرير فارغاً.



رومانسية تعشقُ الجثث

سألتني إن كان بودي أن أرافقها للخروج لاكتشاف لندن، فأجبتها موافقاً وطالباً وقتا ً كي أرتدي ملابسي. فوجئت بهذا الطلب لأن الوقت كان باكراً أكثر من المعتاد، على القيام بنزهة لندنية. لكن يبدو أن هذه لندن وهذه هي حياتها السريعة. خرجت برفقتها ومضينا إلى المتحف الحربي البريطاني، كما اقترحت هي، وكما وافقت شاكراًُ ومقدراً.

تلك الظهيرة لم تكن حارقة، إذ كانت الشمس اللندنية أكثر حنواً عليّ من شمس بلادي التي تحولني ظهيراتها إلى إبريق شاي مغلي. أمام المتحف الحربي البريطاني لمقتنيات الحرب العالمية الثانية يقبع مدفعٌ كبير جداً، وقطعةٌ من جدار كتبت عليها أحرف إنجليزية ليست واضحة تماماً.

ميريام مستمتعةٌ جداً وهي تقوم بتصوير كل ما يمكن تصويره. التقطتُ لها صورةً جوار دبابة، وصورةً أخرى جوار مدفع متحرّك، وصورة أخرى جوار فرقاطة بحرية، وصورة أخرى بجوار صاروخ مضاد للطائرات. ( ما هذه الفتاة الحربية التي ساقنا إليها القدر ؟). وهي تتلقى الفلاشات وتبتسم.

ولم يتوقف الأمر عند المتحف الحربي فحسب، بل أدخلتني معها إلى مكتبة سينمائية لضحايا الحروب والحكم العنصري في مجاهيل أفريقيا، وقضيت ساعةً كاملة وأنا أشاهد جثثاً، وقتلى بالمئات، وعمليات إعدام علنية، ورؤوسا تتساقط واحدةً تلو الأخرى، ومع ذلك فإن الفتاة في قمة انسجامها وروحانيتها، دون أن يرف لها جفن أو موبايل حتى. حين لاحظت تململي شاءت أن نخرج.

 سهوت قليلاً فإذا بها تشدني من يدي لندخل قسماً آخراً يتحدث عن شهداء الحرب البريطانيين وتماثيلهم، وما تبقى من نياشينهم وصورهم التذكارية. سهوت مرة أخرى فإذا بها تجرّني إلى قسم آخر يتحدث عن بطولات جهاز الاستخبارات البريطاني، وأساليب عملاءه، وطرق انتزاع المعلومات، وما عداه من فلسفة العمل المغلق.

في المرة الأخيرة كنت أنا من سحبها من يدها لأخرجها من المتحف ومدافعه وقتلاه وجثثه وعملاءه، كي نذهب نحو "بيرجر كنج" ، المطعم السريع مثل قرننا، لأنني كنت في قمة جوعي و"حربيتي" لخوص المعركة مع البطاطا المقليّة، وقطع الدجاج المبهرّة. سحبتها وهي تشير بيدها وسبابتها طالبة ومتوسلة أن ندخل إلى متحف ضحايا الهولوكوست، ولو لدقيقة واحدة !!. (اللهم لا راد لقضائك ولا لمدافع عبادك ).

قلت لها "عزيزتي يكفينا جثثاً هذا اليوم".
وصلنا إلى المطعم الذي يحتل جزءاً من محطة مترو أنفاق "واترلو". جلسنا على الطاولة و قبلت بدعوتي لها على الغداء بعد ثانيتين من الإلحاح. بعد أخذ ورد وأكل وهضم وقضم  قالت بهمس كمن سيرتكب جريمة " سولتن  .... ليتنا نذهب لمتحف مدام توسو". قلت لها مازحاً أنني لو سمعتها تنطق كلمة متحف لمدة شهرين سأقتلها، دون رحمة .

ضحكت بعنف وهي لم تنس مدام توسو طبعاً.


سندريلا السعودية مشغولة بطلاء الأظافر

 إذا قررت أن تعشق فتاة سعودية فمعنى ذلك أنك سوف تقوم بالدخول في حالة حب عارمة مع "قاعدة عسكرية" محاطة بالأسلاك الشائكة، ولا يمكن الدخول، أو الخروج من أضلاعها، دون أن تبرز لها، ولقلبها، بطاقة هويتك، وتصريح مرورك، وخطاباً توضح فيها وقت عودتك، إضافة إلى أنك ستخرج مراقباً حتى ساعة العودة.

وحين تنشغل عنها ( لأن لديك وظيفة أخرى غير حبها) فإن ذلك معناه أنك لا تتمتع بإخلاص كافي، وأنك لا تمتلك حس المسؤولية لأنك لا تلقي بالاً لمن يبحث عنك، ويحن إليك، ويحبك بكل عنف ووحشية.

أما حين تكون في قمة انكسارك، وفي الهزيع الأعلى من حزنك، والدور الأخير من فندق وحدتك، فإنك لن تجدها، لأنها ربما تكون مشغولة بمكالمة هاتفية مع أختها ( وما إلى ذلك)، أو أنها منهمكة في صبغ أظافرها.

ولا نقول إلا أن الظفر لا يطلع من اللحم. و(الظفر) مفتاح الفرج !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق