بعد سنتين عاصفتين غيرتا وجه الشرق الأوسط،
ينشغل محللون سياسيون في معرفة أسباب عاصفة العام 2011، التي كنست كثيراً من
العروش في المنطقة، وهزت معظمها.
ويحلو للمحللين تداول مشاهد متفرقة من
العالم العربي، باعتبارها الشرارة التي أطلقت عاصفة الاحتجاجات الغاضبة، وكان منها
تورط رؤساء دوواين زعماء، ومدراء مكاتبهم، في شبهات فساد، واستغلال سلطة.
بيد أن هذه التحليلات بالغت في الحديث عن
نفوذ هؤلاء المسؤولين، الذين تحولوا إلى ظلال لزعمائهم.
وأثارت مسارعة سلطان
عمان إلى إقالة رئيس ديوانه، ومدير مكتبه، بسبب الاحتجاجات الغاضبة التي سادت
أنحاء متفرقة من البلاد، موجة من التساؤلات في الأوساط الإعلامية في المنطقة، نظرا
لان التظاهرات بالعادة تطالب بإقالة مسؤولي الوزارات الخدمية، لا رئيس الديوان الذي
تنحصر وظيفته في كونه سكرتير للحاكم فقط، لا نائباً عنه.
بيد أن عمان،
المشهورة بانطوائها وصمتها، لدرجة أن العالم تشكك في قدرة سكانها على الكلام، سبقت
العالم بأجمعه بهذا النوع الفريد من التظاهرات، والتي كان من اهم مطالبها وزير الديوان،
ما يعني أن جهاز ديوان السلطان قد حظي بنفوذ قوي، جعله يمد أذرعته في الدولة، داخلاً،
وخارجاً، إلى حد الأضرار بالمصالح الشعبية.
ووظيفة رئيس
الديوان، كما يقول العرف والتعريف، أنه موظف إداري، يتولى جهازا يعتبر حلقة الوصل الرئيسية
والأساسية بين الحاكم، والحكومة، والقوات المسلحة، والأجهزة الأمنية، ويعد أيضا الوسيط
بين الحاكم والشعب.
وهذه الوظيفة توازي
وظيفة "الحاجب" في العهود الإسلامية القديمة، وهي المهنة التي أسيء استخدامها
أحيانا، وتحولت من كونها حاجبا مساعدا للسلطان، إلى "حاجب" عن السلطان نفسه،
وتحولت في أحيان أخرى إلى عون إلى السلطان، وتقوية لنفوذه، وتفعيل لجهازه الإداري.
وكانت وظيفة "الحاجب"
من الوظائف المهمة في الدولة الإسلامية، وهي وثيقة الصلة بدار الخلافة، واختص صاحبها
بترتيب مواعيد الخليفة، وعرض الأعمال عليه، وتنظيم دخول القادمين لمقابلته من كبار
رجال الدولة والأمراء والوزراء والقادة، فهي أشبه بوظيفة رئيس ديوان رئاسة الجمهورية
في النظم الجمهورية المعاصرة، أو وظيفة رئيس الديوان الملكي في النظم الملكية.
وقد حرص خلفاء بنى
أمية على أن يكون حُجَّابهم من "أهل بيتهم، أومن أقرب الناس إليهم من أهل الشرف
والحسب والنسب، ومن ذوى الفقه والرأي، والثقافة العالية، والعلم الغزير؛ لأنهم عدُّو
الحاجب وجههم الذي يطالعون به الناس، ولسانهم الذي يتحدثون به إليهم"، كما
تقول بذلك معظم المصادر التاريخية.
ويقول خبراء ان هنالك
حالة خلط بين مهام وظيفتي الحاكم والإداري، تداخلت فيها الوظيفتين لحد زاد فيه نفوذ
الإداري على الحاكم أحيانا.
وحديثاُ، وفي
الحالة الأردنية تحديداً، فقد اتسع نطاق الديوان الملكي ليشمل دوائر مختلفة، تهتم بجميع
أعمال باقي أفراد الأسرة الملكية، وتهتم هذه الدوائر أيضا، بالجوانب المتنوعة لعملية
التطوير الاجتماعي والقضايا التعليمية والعسكرية.
ويرتبط بالديوان الملكي الهاشمي بمجلس الأمن الوطني.
ويدعم الديوان العلاقة دعما كاملا بين الملك والحكومة، ويعتبر هذا الدعم والدور شرطاً
أساسياً لضمان سير أعمال الحكومة الأردنية والعملية الدستورية.
وبالعودة إلى
تظاهرات عُمان، فهي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في العالم العربي، التي تكون
بسبب تجاوز أهل السلطة لحدودهم.
وقبلها كان ملك الأردن
قد سارع هو الآخر إلى تغيير رئيس ديوانه، خالد الكركي، وهو شخصية معروفة في الأوساط
الأردنية بتفانيها، وحبها للعمل.
وان كان الملك الأردني
قد عود شعبه على تغيير رئيس الديوان من فترة لأخرى، إلا انه من المعروف أن رئيس الديوان في الأردن شخص لا يرف له جفن سياسي
مطلقاً، بل هو رسول الملك، ومرساله، لا شريكه، ولا مستشاره.
وفي مصر كان المحتجون
يرددون اسم زكريا عزمي، رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، الذي بقي في منصبه لحزمة من السنوات،
وكان يصول ويجول على نحو يوحي بانه صانع الوزراء داخل القصر.
الملك محمد السادس،
رغب من الإياب بمغنم، فلم يعين مديراً لديوانه مند توليه السلطة إلا في حالة واحدة،
عندما عين محمد رشدي الشرايبي، والذي لم يستمتع بمنصبه إلا لفترة واحدة، وبقي رئيسا
للديوان ولكن بدون رئاسة، بعد أن عاد برتبة عضو في الديوان الملكي، وقائماً مقام
رئيس الديوان.
القصر المغربي له
طقوسه وأفكاره الخاصة به، حيث هنالك حكومة في الظل، وهي طريقة خاصة يتم فيها حل كل
الأمور المصيرية في المملكة حتى من دون علم الوزراء انفسهم.
وفي السعودية لعب الديوان الملكي دورا مهما
في دفع عجلة الإصلاح الملكية، بتعيين رئيس ديوان شاب، أختاره الملك بعد أن اكتشف
مواهبه وجرأته. وتحول الشاب الشاعر خالد التويجري إلى "أخطبوط الإصلاح"
في مملكة اعتادت على التحرك ببطء، ولعب دوراً مهما في إنجاز العديد من الملفات المحلية، وتفعيل قناة تواصل بين المواطن وصانع القرار.
ومعروف
أن رئيس فريق العاملين
بالبيت الأبيض هو الرئيس الأعلى رتبه في المكتب التنفيذي لرئيس الولايات المتحدة، وأحد
كبار مساعدي الرئيس، وفي بعض الأحيان يطلق على صاحب هذا المنصب الرجل الثاني في واشنطن.
وهذا يعني أن
نفوذ هذه المؤسسات، أمر طبيعي في العملية السياسية، والإدارية، في أي دولة كانت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق