في بهو فندق لا بلازا، ذو الواجهات الفرنسية والسقوف العالية، وسط بروكسل، التي قد تغير لسانها إلى الهولندية قريبا، يتحدث الدكتور محمد ناجي زعبي عن مستقبل بلاده، بعد انتصار الثوار، بأمل في غد جديد.
يقول بصوت واثق، وكأنه ريح خفيفة تهب في الصحراء، أن "ليبيا لن ترجع للوراء مهما كان بعد نجاح الثورة"، وذلك بعد زيارة صباحية مرهقة، لمقر حلف "النيتو"، سمع فيها الكثير عن الربيع العربي، وما يقال عن بلاده، وما يتوقعه الآخرون لمستقبلها.
"سترى ليبيا جديدة يا صديقي الملكي قريبا... قريباً جداً". هكذا قال لي بثقة رجل مر بنوافذ العمر المطفأة، نافذة، نافذة، ورأى الكثيرين من رفاق الحرف والحرفة، يساقون إلى المشانق دون حكم أو محاكمة في ليبيا القذافي.
كيف يمكن أن تكون ليبيا غدا؟
إقرأ أيضاً |
من دفتر ملاحظات صحافي في حلف الناتو 1: معمر القذافي... الأيام الأخيرة و"المغيرات صبحا"! |
يقول زعبي بهدوء وهو يسند معطفه على الأريكة الحمراء:" لن يختطف أحد ثورتنا. هذا لن يحدث مرة أخرى، ولا يمكن قياس ما يحدث الآن من ثورات الربيع العربي، على الثورات التي كانت موجودة قديماً فلن تقبل الشعوب ديكتاتور جديد."
ويضيف هذا الصحافي الذي يعمل في مركز الزنتان الإعلامي: " الشارع الآن يحكم وليس الانقلابيين كما سبق وحدث طوال السنوات الماضية في ليبيا وغيرها... تلك كانت انقلابات ضباط أما ما يحدث الآن هو ثورة شعب وشارع".
إلا أن للملكية الليبية جمهورها أيضا، وهي الحركة السنوسية التي تحولت ملكية، ومُلكا، وأعاد الثوار علمها للحياة، في أولى أيام ثورة الغضب ضد نظام القذافي.
حسن القلاي، أحد محرري صفحة ثورة 17 فبراير على الفايسبوك، والتي يقرأها ما لا يقل عن مليوني متصفح منذ أشهر، واحدٌ من الذين يريدون عودة الملكية.
يقول القلاي، الرجل الذي يبتسم أكثر مما يتحدث، عن الملكية: "إنها استقرار وأمان وأتمنى لو كانت لدينا في ليبيا ملكية على طراز الملكيات الأوروبية". هنا ينتفض زعبي :"لا نريد عودة الملكية بل لا نريد أن نرى رئيساً لأكثر من ثماني سنوات".
وحول نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، يتفق الموجودون على طاولة الحوار، وهم عيون ليبيا الجديدة، انهم "موجودون بالفعل على الأرض لكن نفوذهم ليس بتلك القوة، وبالطبع هنالك عناصر متمردة من هذه الجماعة لكن حين يحكم القانون وتتطور البلاد سيستعيد الشعب عافيته".
ويقول دبلوماسي ليبي يعمل في سفارة الثورة في بروكسل:" المهم أن يكون مرجع أي طرف يفوز في الانتخابات المقبلة ليبي مهما يكن ليبرالي أو إخواني أو غيره المهم أن يكون وطنياً. مشكلة الإخوان دوما أن مرجعتيهم خارجية".
ويؤكد جلال العشي قائلاً:" صدقني سترى كيف ستكون ليبيا... تكون نموذج المنطقة كلها".
وفيما بدأ دور قطر يثير انزعاج الكثير من سياسيي ليبيا، خصوصا وأن نفوذها وصل إلى أنها بدأت تعد زوارها الليبيين، بمناصب في الحكومة الجديدة، يقول العشي، أن "قطر دولة صديقة لا أحد ينكر مساهماتها لكن العلاقة معها ستكون ضمن الأطر القانونية والدولة المعترف بها".
ويضيف هذا الدبلوماسي الذي عمل مع نظام القذافي واستمر بعد الثورة في موقعه:" لا يوجد لدي معلومات عن الدور القطري في ليبيا حالياً، لكننا نرفض أي تدخل في شؤون إدارة الدولة".
لكن هذا ليس رأي الجميع في ليبيا عن دور قطر.
وحول ماذا كانت القاعدة مشاركة الانتفاضة ضد نظام القذافي، قال: "هذا ليس صحيحاً الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة كانت تعارض القذافي ولا علاقة لها بالقاعدة أبدا ".
ومعروف أن القاعدة كانت بعبع القذافي الذي كان يخوف به الغرب في حال لو سقط نظامه على يد الثوار، وقت بدء العمليات، التي ظن بثقة أنه سيقمعها بسهولة.
ويتفق الموجودون على طاولة الحديث في هذا الفندق البارد أن أمام ليبيا وقت، لكنه ليس طويلاً لإعادة بناء البلاد، وتحويلها إلى بلد مؤسسات.
نتحدث عن الغد لساعات، وتمر لحظات من الصمت، نحدق فيها في هذا البهو الرخامي الأنيق، ونكتشف وجود قبة مطلية بالأبيض، وثريات أنيقة من الزجاج، فيما أصواتنا تعلو، وتهبط، حتى يتنبه لها موظفو الفندق المتعبون. الفناجين على الطاولة لم تمس، بل لم نتذكر إن كانت هنالك فناجين، أو طاولة حتى. كل ما نفكر فيه هو كيف ستكون ليبيا ما بعد القذافي، وما ينبغي لها أن تكون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق