الاثنين، 18 يوليو 2011

فيلم "أفاتار" وأبو ظبي التي تحاول تدارك أمة الصحراء!


1-"أفاتار" : إلى أين ستمضي الخليقة حينما يأتي الطوفان؟


مساء لندن بارد مثلما هو صباحها في مثل هذا الشهر الجميل من كل عام (فبراير 2010). ذهبت لأشاهد الفيلم الذي صعق الخليقة وجعلها تقف على رؤوس أصابعها شرقًا وغربًا. إنه "أفاتار" لمخرجه جيمس كاميرون الذي أخرج قبله ملحمة الحب العالمية "تايتانيك"، وظل لأكثر من عشر سنوات على قائمة أكثر الأفلام ربحًا في العالم.

لم أكن متحمِّسًا لحضور الفيلم فور نزوله في صالات العرض لأنني لا أحب هذا النوع من الأفلام. إنني أكره الخيال العلمي مثلما أكره ليلة الجمعة، وصباح الأحد. لكنني حين قرأت أن الفيلم حقق تكلفته كاملة في الأسبوعين الاولين من العرض، قلت في نفسي إن فيلمًا يحقق أرباحًا بهذه السرعة، جديرٌ بالمتابعة. وبالفعل ذهبت. وحينما بدأت أولى دقائق العرض ندمت لأنني تأخرت إلى هذا اليوم. ندمت لأنني لم أرَ هذه الوثيقة التي تدينني فور صدورها من محكمة العدل السينمائية !


طوال ساعتين كانت الكاميرا تنقل صوتًا وصورة كيف يحوّل الإنسان الطبيعة الجميلة إلى ركام. الأشجار، والسلام، الحب، كلها لا قيمة لها عند جشع الإنسان وطمعه. لا أريد أن أحرق الفيلم، على الذين لم تتيسر لهم متابعته بعد، لكنه باختصار وثيقة حية على العلاقة المعقدة بين الإنسان والطبيعة. واحدٌ من السيناريوهات التي يمكن أن نتعرض لها في  تدميرنا المستمر للبيئة دون أن ندري.

وبينما كنت أرتعش من البرد قبيل الدخول إلى صالة العرض الدافئة، كانت الفتاة التي تجاورني ترتعش من الحزن، من الدمع، والألم. إنها تشبهنا. نحن الذين يبدو مستقبل الكوكب مظلمًا في أعيننا بينما لا تزال الدول الكبرى غارقة في صراعاتها، ولا أمل في أن يتفقوا على خفض مستوى انبعاث الغازات في المستقبل القريب.

وفي كل هذا الظلام البارد أتوجه إلى الشرق البعيد حيث تحاول أمارة نفطية هي أبو ظبي أن تستعد لليوم الذي تجف فيه آبار النفط. ويحاول ولي عهدها الحداثي التحديثي، محمد بن زايد، أن يجعل من الاعتماد على الطاقة البديلة وثيقة تأمين ضد تقلبات المستقبل. أبو ظبي ربما تكون وثيقة الأمان في عالمنا الذي سندمره بأنفسنا. 

•الجمعة – 5 فبراير
3-ليلة "مونكي بازل": إعترافات السارق أحمد العرفج!


نجلس على طاولتنا القصية استعدادًا لإلتهام كل الخليقة. وبينما نتحدث عن الطقس، والأصدقاء، وأخبار لندن وملحقاتها، يبدأ الصديق أحمد العرفج في الحديث عن مستجدات الأحداث في السعودية، ويسرد بإعجاب قصة صندوق إبراء الذمة الذي أقره الملك عبد الله بن عبد العزيز. هذا الصندوق مخصص للمبالغ التي سرقت من المال العام، يعيدها السارقون الذين نفذوا بسرقاتهم دون حساب، وقرروا في لحظة ضمير مستيقظ أن يعيدوها للدولة.



وعلى الفور بدأنا نراجع قائمة سرقاتنا. وأحمد الله أنني وجدت نفسي بريئًا براءة الذئب من دم يوسف. وأنا على إستعداد لأن أضع كشف حسابي البنكي "أونلاين" كي يراجعه القراء والأصدقاء، حيث ولدت فقيرًا، وعشت فقيرًا، فطوبى للفقراء !

إلا أن هذه لم تكن حال صديقنا العرفج الذي وهبه الله بسطة في الجسم، وبسطة في الأرصدة البنكية. قلت له: "لتكن هذه الجلسة علنية ولننشر ما نناقشه". وقال بهدوئه المعتاد: "ليكن.. أنا لا أخاف في الصدق لومة لائمة". وبدأ على الفور يعدد سرقاته: "سرقت من البقالة التي جوارنا لمدة عشر سنوات، ومن أمي، ونصبت على النقل الجماعي، ونهبت مئة دولار كانت من نصيب فاروق شوشة".

وقصة المئة دولار مهمة جدًّا ولا بد أن أرويها كي تعتبر منها الأجيال المقبلة. أعلنت إحدى المجلات مسابقة لأفضل قصيدة، وخف العرفج سريعًا إلى أقرب كتاب لديه، ووجد ديوانًا شعريًا للشاعر المعروف فاروق شوشة، فنهب قصيدة معتبرة وأرسلها إلى المجلة. وبعد أسابيع فوجئ بفوزه بمئة دولار الجائزة.

قال لي: "أريد أن أسدد ديوني وأعيد مسروقاتي إلى صندوق إبراء الذمة". وقلت:" أعدها ولا تنسَ الفوائد".

وفي الختام أطلب من جميع الأحباء السارقين، سواء الذين سرقوا بطريقة مباشرة، أو الذين سرقوا بوساطة صديق، أن يكشفوا سرقاتهم ويودعوها في صندوق إبراء الذمة، أو يرسلوها لي كي أصرفها على الأعمال الخيرية، أو أسرقها مرة أخرى، لأن سرقة السارقين حلال، ولنا في آل "روكفلر" القدوة الحسنة. والسلام عليكم.

•السبت- 6 فبراير
4-ولي عهد دبي ... قم وإرفع الأذان !
إتّصل بي صديق ليقول لي إن أصوات الآذان أصبحت تسمع في دبي بعد غياب طويل. وهي واحدة من أفكار ولي عهد دبي الشاب الشيخ حمدان بن راشد.

ودبي، التي نجت من الأزمة المالية بشق الأنفس وبدعاء المحبين، أصبحت مثالاً يحتذى على الوصل الحداثة والتقاليد بشكل يصعب أن يطبق في أي مكان آخر. إنها خصوصية المكان والزمان.




•الأحد – 7 فبراير
5-  "ضرس صقلاوي" شديد الصلابة في مواجهة المافيا الإيطالية





اليوم قرأت في دفتر ملاحظاتي بضعة أسطر عن رحلة قديمة إلى باليرمو عاصمة المافيا للمشاركة في ندوة عن ثقافة القانون. عادت تلك الرحلة إلى الذهن بعدما تلقيت إتصالاً من الصديق جوزيف برودواي، صحافي لوس انجليس تايمز المعروف، ليقول لي إن منظمي الندوة سيدشنون موقعًا إلكترونيًّا للحديث عن كل ما يمت بصلة لثقافة القانون في الشرق الأوسط.



وعدت أتذكر تلك الندوة المتوقدة، والأصدقاء من كل بلدان العالم، ولقاءنا مع عمدة باليرمو ليولوكا اورلاندو.

قد لا يكون عمدة باليرمو، عاصمة جزيرة صقلية، السابق، ليولوكا أورلاندو، قديسًا يتعبد قسيسو المدينة على مذبحه نهار كل يوم أحد، لكنه مثل أي كاثوليكي ملتزم، يؤمن بضرورة محاربة الجريمة التي كانت تمثلها عصابة المافيا لأكثر منذ زهاء نصف قرن، مما جعله يستمر في هذه المواجهة بجَلَدٍ أسطوري حتى نهاية النهاية.

وفي جزيرة صقلية التي كانت في إحدى المراحل التاريخية "قنطرة الوصل" بين العرب الأوائل وأوروبا المتوقدة، لا يمكن أن يمر اسم أورلاندو هكذا دون ارتعاش لسان الرضا، أو ابتسامة عين الأمل، كونه تحول مع مرور الوقت إلى أكثر من مجرد عمدة لعاصمة الإقليم ذات الطبيعة الساحرة، بل أصبح الرجل المذهل الذي يمكن له أن يخرج الأرنب من القبعة.وإن كانت صقلية قد هربت من المافيا ومن ذاكرتها المشبعة بقصص القتل والدمار والحريق والدماء، إلا أن السينما العالمية لا تزال مصرة على إعادة بعث هذه الفكرة من جديد في صفوف مشاهدي الشاشة الكبيرة الذين لا يزال اسم "صقلية" بالنسبة إليهم يرتبط بكل ما هو مخالف للقانون وللطبيعة الإنسانية.

يقول أورلاندو في حديث معي على هامش ندوة صحافية :" في الطفولة كانت صورة العراب بالنسبة إلينا تُختصر في قامة شخص واحد هو "مارلين براندو"، ولم تكن الشرطة التي تقبض عليه في الفيلم تستهوينا... كان التحدي الأكبر بالنسبة إلي خلال بدئي في نشاط محاربة المافيا هو كيف تكون صقليًا جيدًا دون أن تكون عرابًا جيدًا".

وكانت أعقد الحروب التي خاضها في عاصمة الإقليم الشهيرة بطبيعتها الساحرة هي محاربة المفاهيم الراسخة، خصوصًا المثل الذي يقول إن من يولد مستديرًا يستحيل أن يموت مربعًا، في إشارة إلى استحالة التغيير في صقلية.
وعن حرب التغيير يقول أورلاندو، فيما تقاطيع وجهه تشي بالصراحة المفرطة: "أثق كثيرًا في ضرورة التغيير وفي أهميته وها نحن قد حققنا الكثير".

من المفكرة الخاصة / الأربعاء – 3 فبراير/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق