تابعت
كما تابع غيري قبل سنوات الخطوة الثورية التي قام بها جهاز الاستخبارات السعودية
من خلال خروجه إلى العلن للمرة الأولى، منذ أكثر من خمسين عاماً مضت على إنشاء هذا
الجهاز الذي وصل إلى دوره الأسطوري خلال تولي الشيخ كمال أدهم مسؤوليته.
وضع
الشيخ أدهم جهاز الاستخبارات في بؤرة الضوء والاهتمام إلى الدرجة التي أصبح فيها محل رقابة من قبل معمر القذافي، الذي كان يخطط لاغتياله. بعدها قضى الشيخ أدهم العديد
من الأشهر وهو يحرص على أن تكون جميع أجهزة التلفزيون في حالة العمل داخل مقر سكنه،
كونها تشوش على أجهزة التنصت، كما يفعل أي استخباراتي ضليع، رغم أن التكنولوجيا
تطورت الآن إلى حد تخترق فيه حواجز الصوت والصدى والهمس في الغرف المغلقة.
كان
جهاز الاستخبارات السعودي في محل منافسة مع نظيره المصري خلال فترة الستينات الحرجة،
والصراع بين فيصل الملكية، وناصر الجمهورية، في إحدى فترات التاريخ العربي الفوارة.
الجهاز السعودي أخذ تنظيمه على غرار هيئة المخابرات الأميركية سي آي إي، فيما كان
نظيره المصري يعمل على الطريقة السوفييتية، ومضيا جميعاً في مرحلة مزعجة من
التنافس بين البلدين.
إذا
المؤسس الحقيقي لهذا الجهاز كان كمال أدهم، الذي درس في كلية فيكتوريا مع تاجر
السلاح الشهير والأخير في تاريخ السعودية عدنان خاشقجي، الذي استفاد من هذه العلاقة
لاحقاً تلميذاً ممتازاً جمعته زمالة مع شخص ثالث هو الملك حسين ملك الأردن.
كانت
الستينات فترة متحركة وحافلة بالتطورات، لأن المنطقة تغلي، وكان لابد من تنشيط
العمل السري لتحقيق الأهداف المختلفة. كان الصمت، والسرية، إحدى أهم الخطط التي
تتبعها الأجهزة الاستخباراتية، إلا أن الاستخبارات السعودية قررت مؤخرا أن تخطو
خطوتها الأولى إلى العلن بإعلانات صحافية، وموقع إليكتروني، وتواصل لافت مع
الصحافيين، والكتاب، خارج حدود النشر.
كان
هذا الانفتاح مؤقتاً، ما لبث أن عاد الجهاز إلى سيرته الأولى، خلف الظلال،
والألوان. ربما كان لهذه الخطوة ما يبررها، رغم أن كثيرين تساءلوا عما إذا كانت
خطوات الانفتاح تلك قبل سنوات، ماهي إلا ماكياج مؤقت؟
العودة إلى الإعلام، بكافة تفرعاته، وخصوصا التلفزيوني،
والدرامي، تعتبر من المشاريع التي يحرص أي جهاز استخباراتي على الاهتمام بها. حتى
كرة القدم يمكن أن تتعامل معها الاستخبارات إذا كانت تفيد الأمن الوطني، من خلال
رفع معنويات شعب بأكمله، أو إعادة البريق لسياسة الدولة، ونجاحاتها.
أنظر
إلى ما تفعله الاستخبارات السعودية متطلعاً إلى أن تكون رافدا مهما، على غرار الوكالات
الاستخباراتية الدولية، فيما يتعلق بحرية تدفق المعلومات، وإتاحة التقارير،
والوثائق أمام الباحثين، طالما أنها تخص فترة زمنية محددة، لا تؤثر على الأمن
الوطني، ولا على العلاقات الدبلوماسية.
تصدر
أغلب الوكالات الإستخباراتية الدولية تقارير سنوية، تبدي آرائها في عدد من
القضايا، وربما المحلية، ومستقبل الوطن، وخطة السير الصحيحة، فلماذا لا يكون لنا
نصيب منها، نحن الإعلاميين... إطلاعا، ومشاركة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق