الجمعة، 22 يوليو 2011

أمريكا لا تستطيع لعب النقلة القاتلة .. "كش ملك" !

حين يتحدث رئيس مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية الدكتور جمال السويدي مع "إيلاف" عن شجون المنطقة الشرق أوسطية من العالم فهو ليس كمن يطلق الرصاصات الفارغة في الهواء؛ بل هو يتحدث تارة كخبير استراتيجي يرتدي قفازات مدنية خلال تحليله للمشروع الأميركي في المنطقة الذي سُمي بـ"الشرق الأوسط الجديد"، وتارة أخرى يتحدث كمثقف ذو التزام سياسي لازم رياح التغيير في المنطقة وخبر تحركاتها منذ سنين طوال.


ولا يتوقف الأمر بالنسبة له عند هذا الحد في إدارة مركز إستراتيجي يُعنى بتقديم المشورة والتحليلات المتقنة إلى صناع القرار في أمارة أبو ظبي التي تدير الدولة الاتحادية، بل إن هذا المسؤول الإماراتي "المعتق" في دهاليز السياسة وتفرعاتها، الذي يرتدي نظارة طبية أنيقة ويتحدث بهدوء، هو الشخص الذي نبعت منه فكرة خلق أهم صفحة للرأي في صحف العالم العربي المسماة بـ"وجهات نظر"، التي تصدر بشكل يومي في صحيفة الاتحاد.

ويقول عن تلك الفكرة بعد أن شعر بالحرج وهو يحاول بتواضع تجنب الإجابة عن هذا السؤال خلال حديثه مع "إيلاف" :" كانت وجهة نظري أن تكون صحيفة الإتحاد في وضع أفضل من الحالة التي كانت عليها سابقاً لنجعل منها بعد ذلك صحيفة يطمح الكل في الكتابة فيه. لقد كانت صحيفة عادية، لكن الآن أصبحت تقرأ الآراء المهمة فيها، وجميع الذين يكتبون فيها يتمتعون بهامش كبير من الحرية".

وأنتقل به إلى محور آخر حيث المؤتمر الثاني عشر الذي ينظمه المركز الاستراتيجي الذي يتولى إدارته، وهو يتمحور حول الأمن في دول الخليج في ظل التحديات المحيقة بها، خصوصاً من الضفة الإيرانية، فيجيبني قائلاً عن سبب اختيار هذا المحور لمؤتمر العام الحالي: " هذا هو وقته ولا وقت آخر. التحديات تحيط بنا وإيران أصبحت بعبع. إنني في تمام الاستغراب لأن أحدا لم يتمعن في سبب إعلان مسؤول إسرائيلي امتلاك بلاده قنبلة نووية بعد عقود طويلة من الصمت".

ويعتبر أن هذا الإعلان الإسرائيلي عبر أحد سياسييها المخضرمين، وهو أيهود أولمرت، عن امتلاك قنبلة نووية بعد نصف قرن من المواربة والتعتيم، لهو أكبر دليل على أن إيران اقتربت كثيراً من صناعة قنبلتها النووية الأولى، إذ يشير إلى أن ذلك "طرح علامة استفهام كبيرة رغم أن كل تاريخ إسرائيل في حد ذاته هو علامة استفهام" على حد قوله.

مشكلات الشرق الأوسط من داخله

ويقول السويدي - وهو مستشار سياسي لولي عهد أمارة أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد – في حديثه مع "إيلاف" أن "العرب أصبحوا خارج المعادلة السياسية" التي تجري حالياً فصولها على رقعتهم الجغرافية التي تحظى بالنصيب الأوفر من المشكلات في العالم، معتبراً أن لا فرق في كمية الخطر بين الدولتين النوويتين إيران وإسرائيل، كونهما "دولتنا أجنبيتان".

ويضيف في حديثه مع "إيلاف" داخل أرجاء مكتبه الأنيق في أحد أركان المركز:" من الاستحالة أن توجد هناك رؤية عربية مشتركة لما يحدث حالياً من مشاريع سياسية جديدة في المنطقة. لقد حاولت أميركا إدخال مشروع الشرق الأوسط الجديد ولا أعرف مالذي يعنيه هذا المصطلح. إن كان المقصود منه حصول كل دولة من دولة على قنبلة نووية فهو مشروع فاشل".

وسوف تلاحظ مباشرة كيف أن هذا السياسي الإماراتي المخضرم هو منتقد عنيف لأميركا ومشاريعها في المنطقة، واصفاً إياها بأنها حالياً أكثر "ضعفاً وجبناً" من أي وقت مضى، وأنها لا تستطيع أن تقوم بالنقلة القاتلة كما في لعبة الشطرنج المعروفة بـ"كش ملك" لأي دولة عربية كونها "لا تمتلكها".

وعن مستقبل المنطقة يقول الدكتور جمال السويدي في سياق حديثه:" مستقبل منطقة الشرق الأوسط في خطر إن كانت مشاريع أميركا مثل مشروع الشرق الأوسط الجديد".

ويضيف وهو يشير بأصبعه السبابة إلى التلفزيون المثبت أمامه حيث إحدى القنوات الإخبارية تنقل واحداً من المشاهد الدموية المعتادة من العراق قائلاً:" أنظر .. يقولون أن العراق موجود لكن أبنه؟ ..العراق انتهى لم يعد يوجد عراق نهائياً بفضل التدخل الأميركي".

ويمضي في حديثه قائلاً حول أميركا وتدخلها في المنطقة:" إنها أجبن وأضعف من أن تكون متسببة وحيدة في مشاكل المنطقة، لأن مشاكل هذه المنطقة من داخلها وليس من الخارج. قل لي ما هو الفرق بين سعودي أو إماراتي أو عماني أو بحريني؟ لا فرق بيننا فأمريكا ترانا ككتلة واحدة. أميركا إذا رأت أمامها أناساً أقوياء فإنها لا تستطيع الحراك".

متوقف عن الحلم حتى إشعار آخر

وفي الرمق الأخير من الحوار يجيب السويدي على سؤال عن أحلامه المستقبلية قائلاً انه توقف عن الحلم، ويود لو أنه يغادر العمل ليبقى في البيت حيث يتفرغ للكتابة والقراءة ومشاهدة الأفلام التي يحب متابعتها.

ومعروف عن الدكتور جمال السويدي، الذي ساهم في إصدار العديد من الكتب السياسية في سائر أنحاء العالم، من ناحية شخصية أنه يهوى جمع الأعمال الفنية ومتابعة الأفلام السينمائية وممارسة كرة القدم سابقاً، فيما هو متزوج وله أربعة أبناء.

وعما إذا كان يود أن يتفرغ لمشروع له يتولى فيه كتابة سيرته الذاتية يجيبك قائلاً بتواضع شديد :" لا أبداً .. هذا المشروع غير وارد".

وعين السويدي رئيساً لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية عام 1994 في تزامن مع نشأة المركز.

ولا يتوقف عن إدهاشك بالقول، حين تطوّف بالحديث عن المركز الذي يعتبر واحداً من القلاع الإستراتجية في دول الخليج، أنه يتمنى إزاحة "الحرس القديم" في العالم العربي – الذي يعتبر واحداً منهم- وضخ الدماء الشابة : " لا بد أن نغير هؤلاء القدامى في كافة المراكز في العالم العربي، وأنا أولهم. أنا لا أحب الإمساك بالكراسي. لا بد من التغيير كي لا تظل العقليات جامدة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق