الأحد، 10 يوليو 2011

كتابان جديدان عن "المهدي الغائب" الأمير بندر بن سلطان

تنتظر الأوساط الإعلامية شرقاً وغرباً صدور كتابين جديدين عن الأمين العام لمجلس الأمن الوطني في السعودية الأمير بندر بن سلطان "السفير السوبر" السابق لبلاده في واشنطن لأكثر من عشرين عاماً لعب خلالها الكثير من الأدوار ذات التأثير العالمي، قبل أن ينتقل إلى منصبه الجديد في الرياض نهاية العام 2005.


وحسب ما قاله متحدث في دار نشر "هاربر كولينز" ذائعة الصيت، وهو بيس يانكوسكي، في تصريح إلى "إيلاف"، من مقره في نيويورك العظمى، فإن الطبعة العربية من كتاب وليام سمبسون " الأمير بندر بن سلطان – الأمير الأكثر إثارة في العالم" الذي صدر العام الفائت في أميركا، ستكون في المكتبات العربية منتصف هذا العام عن "الدار العربية للعلوم".

أما الكتاب الآخر فهو حدث الحدث المنتظر الذي يعمل عليه مراسل "واشنطن بوست" اللامع ديفيد آتووي منذ عدة أشهر، وسيكون على رفوف المكتبات الأميركية في شهر أكتوبر المقبل، إذ أن الكتاب يدخل هذه الأيام في مراحل التنقيح الأخيرة قبيل اعتماد النسخة النهائية التي ستكون كاملة بمجرد اختتام زيارته الحالية التي يقوم بها إلى المملكة السعودية بغية "تحديث معلوماته" على حد تعبيره.

ديفيد آتووي، الذي قضت معه "إيلاف" ساعة عجلى، لا يزال متوقد الشباب رغم كل سنين الخريف وآثار تجاعيدها الظاهرة على صفحة وجهه ويديه بعد أن "بلغ من الحبر عتيا" في مسيرة صحافية يقدر عمرها بالسنوات، وأختار أن يختتمها بالتفرغ للبحث من خلال التحاقه بمركز "وودرو وولسون الدولي للعلماء".

وفي هذا الكتاب الذي يتحدث بتفصيل دقيق عن العلاقات السعودية الأميركية ودور النفط خلال السنوات الطويلة التي انتصفت عامي (1945 و 2007) قرر آتووي أن يخصص فصلاً مطولاً لأهم سفير دولة عرفته أميركا وهو الأمير بندر بن سلطان الذي كان ذا تأثير قوي وصامت في الوقت ذاته على المسرح الدولي وخصوصاُ في مجال علاقات الرياض – واشنطن الملتبس.

وهذا الفصل المطول، الذي يتطرق إلى بداية بزوغ نجم بندر ودوره السياسي في بدايات عمله في السفارة الواشنطنية، هو حصيلة أكثر من ستة لقاءات أجراها المؤلف مع الأمير المثير للجدل توزعت بين أحاديث خاطفة في دارته في "واشنطن" العاصمة، أو أخرى مطوله في مقر إقامته الهادئ في منتجع "آسبن" (ولاية كولورادو).

وبدأ تعارف الرجلين في منتصف التسعينات إلى أن أزداد وثوقاً بعد مقال مطول كتبه آتووي ، عام ستة وتسعين، على مساحة صفحتين كاملتين من "واشنطن بوست" كتب فيه سيرة مختصرة لبندر نقل فيه عن الأخير قوله حين سُئل عن اختفاءه عن الأنظار خلال فترة كلينتون الرئاسية :"لم تعد هناك جبالٌ لأتسلقها" في إشارة إلى أدواره العالمية المؤثرة.

وحين ذكرته بهذا المقال الشهير هبت نسائم السعادة حتى غزت قسمات وجهه وهو يقول مبتسماً ويرفع  يديه في الهواء وكأنهما تحولتا إلى صفحتين حققت له شهرة مضاعفة في وقتها:" لم تعد هناك جبال أتسلقها .. نعم هكذا قالها لي.. على صفحتين كاملتين نشرت وقرأها الكثير".

وكرر الجملة البندرية ثلاث مرات وهو ينظر إلى أفقٍ صوفي عبر ثقب من الزمن لم نستطع أن نتبصّره.

ويقول في الجزء المصرح نشره من حديثه الطويل مع "إيلاف" :" لقد كانت تلك الفترة محيرة بالنسبة لنا جميعاً، فقد كان الأمير دؤوباً على زيارتنا في "واشنطن بوست" وكثير الظهور في وسائل الإعلام، لكن في فترة كلينتون اختفى عن الأنظار بشكل غير متوقع .. لكنه بعد 11 سبتمبر عاد إلى الظهور بنشاط لا حدود له".

وهذه الاختفاءات المتكررة لا تزال جزءاً من كينونة عمل بندر نتيجة لكثرة مهامه السريّة المتلاحقة، وكونه موفداً ملكياً في الكثير من الأحيان إلى كل من طهران، وموسكو، ولندن، وبكين، وباريس، وقليلاً .. قليلاً إلى واشنطن التي صنعت كثيراً من شهرته الأسطورية.

وحين عاد إلى الرياض بعد توليه منصبه الجديد في بلاده فإنه لم يشأ أن يكون "مدمن المكتب" الخاص به في مبنى مجلس الأمن الوطني المجهول الذي لا تعلو قمته أي لوحة إرشادية، على غرار جهازي "المباحث" و"الاستخبارات"، والمنتصب في أحد البنايات الضخمة على شارع الملك فهد الحيوي، عصب مدينة الستة مليون آدمي.

كانت علاقة بندر مع بوش الأب متينة جداً إلى حد لم ينجح فيه أي سفير آخر، وربما يمكن يوصف بأنه "أمير جمهوري"، مثله مثل كافة أفراد الأسرة السعودية الحاكمة التي تشعر بأن الديمقراطيين يناصبونها العداء بغية تحقيقهم مكاسب سياسية في الداخل.

وبعد أن شعرت النخبة السعودية الحاكمة أن سياسات بوش الإبن لن تقيم للمرشحين الجمهوريين للرئاسة الأميركية أية قائمة في المستقبل المنظور، قررت تعيين شخص جديد عرف بعلاقته القوية مع الديمقراطيين وهو السفير عادل الجبير، إذ إنه من المتوقع أن يكون الرئيس المقبل ديمقراطياً بسبب نكبات بوش في العراق وأفغانستان.

ولا ينقطع حديث ديفيد آتووي عن كتابه المقبل إذ يقول بصوت واثق النبرة حيث يجلس في بهو فندق "الخزامى" الشهير بكونه مقر الصحافيين الأجانب الزائرين :" لقد حاورت الأمير بندر وأخذت رأيه في الرؤساء الأميركيين الذين تناوب على العمل معهم بحكم موقعه الحساس, وتحدثت في الكتاب عن بداية صعوده السياسي وكيف جاء على أميركا وخلفياته".

وتقول مصادر إستخباراتية وثيقة الإطلاع أن علاقات الأمير بندر مع بوش الإبن لم تكن بتلك القوة وخصوصاً خلال سنوات الفترة الرئاسية الثانية التي شهدت اختلافاً كبيراً في وجهة النظر مما ألقى بظلاله القاتمة على علاقات الرياض – واشنطن بشكل كبير، وجعله يقلل كثيراً من زياراته إلى تلك القارة التي تبعد عن بلاده مسيرة نصف يوم بالطائرة.

وكان اللافت غيابه عن استقبال الرئيس جورج بوش حين وصل إلى الرياض رغم أنه كان قبلها بيومين قد حضر مناسبة عادية نظمها ملتقى الطلاب المبتعثين، وهو ما جعل مراقبين يعدونه مؤشراً على تردي علاقته التاريخية مع واشنطن عقب تصريحاته التي أثارت الجدل حول دور بلاده الذي كان يمكن له أن يمنع أحداث سبتمبر.

ويقول مقربون من الأمير بندر، رفضوا كشف هويتاهم، أنه لم يتوقع هذه العاصفة الاحتجاجية من قبل أميركا على تصريحه الذي جاء في سياق حديث مطول مع الفيلم الوثائقي "عبد الله" المخصص لسيرة العاهل السعودي بمناسبة مرور عامين على توليه الحكم.

ومنذ العام 2004 بدأت ظواهر التغير الأكبر في العلاقة بين الحليفين بسبب عدم تمكن الرياض من ظبط الأسعار النفطية في العالم في ظل وجود عدد من الاعتبارات السياسية وظهور القوى الصناعية الناشئة التي بدأ نهمها يشتد للطاقة مثل الصين والهند واليابان، وهو ما أثر على دور بندر الذي كان ضابط الإمدادات النفطية ذات السعر المعتدل.

وبعدها بعام قرر بندر أن يضيف ريشاً جديداً إلى قبعته السياسية وعاد ليتولى منصب الأمين العام لمجلس الأمن الوطني لبلاده، مما جعل كثيرين من دول الجوار يتنبهون إلى أهمية هذا المنصب ويقرونه في بلدانهم بتعيين أشخاص من الطامحين في أن يكونوا يوماً ما أشخاصاً من العيار الثقيل.

وهذه العودة جعلته أكثر قرباً جغرافياً من حساده الذين لجئوا إلى الصحف البريطانية لتصفية حساباتهم معه رغم أنه بدا متفائلاً وفي روح معنوية عالية كما لاحظت "إيلاف" خلال زيارته الأخيرة إلى بريطانيا برفقة ملكه، في وقت كانت فيه صوره تتصدر الصحف اللندنية الحافلة بالانتقادات والإثارات الحقيقية والمفتعلة.

ولم يكن هذا اللافت الوحيد خلال تلك الزيارة اللندنية بل أن مقدار شعبيته بين صفوف الطلبة السعوديين كانت مفاجئة بالنسبة إلى مسئول لم يكن يتحدث إلا إلى الغرب، إذ كان ملاحقاً حتى سيارته وهو يستقبل المصافحات والكلمات الجميلة والأوراق التي تطلب المساعدة، وهو يلبيها مثل أي أمير سعودي يوزع الهبات للطالبين وعلى الدائرة اللصيقة به.

وأصبح خلال العام الفائت زائراً متواصلاً على ألد أعداء واشنطن مثل طهران وموسكو.

وبندر الذي يعيش على حافة الستين من العمر عددا كان مرشحاً لمنصب وزارة الخارجية في المملكة السعودية لولا أن مراقبين استبعدوا ذلك لأن هذا الأمير الأسمر الأنيق أعتاد على أداء الكثير من الأدوار خلف الكواليس، وكرسي الخارجية يجعل فوق شاغره شركة كاملة من الضوء الكهربائي.

وبالعودة إلى الكتاب المُنتظر وكاتبه فإن ديفيد آتووي كان مستمتعاً بالطقس الشتائي الذي تشهده الرياض الصحراوية هذه الأيام وهو يضم سترة الصوفية الداكنة على قميصه سماوي اللون حيث يحتفظ في أعلى أزراره بقلم أزرق سائل زرع مثل وردة في صدر قميصه.

وكان مستمتعاً بالكتاب الذي سيصدر في الربيع المقبل. لكنه لم يكن مستمتعاً بفكرة أن يصدر الكتاب باللغة العربية لاحقاً.
يقول باسماً وهو ينظرُ نظرة ذات مغزى:" أشك في أن هنالك أي ناشر عربي يمكن أن ينشره".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق