لا أحد يتحدث في العاصمة القطرية عن عهد ما قبل حمد الشيخ الذي يحكم هذه الأمارة الغنية بالغاز عقب انقلاب أبيض جاء به إلى الحكم في العام 1995، إذ يمكن القول أنه بهذا الانقلاب، الذي حظي بدعم غربي، قد أنتصر القرن الحادي والعشرون على القرن العاشر بعد أن كانت البلاد تغرق في مستنقع من مشاكل لا تحصى.
والآن هنا في مدينة صغيرة هي الدوحة التي تشغل نصفها الأبراج الشاهقة فإن شعبية الحكومة تعتبر في سقفها الأعلى بعد أن أثبتت دراسات اقتصادية أن المواطن القطري سيبقى صاحب الدخل الأكبر من بين دول الخليج حتى العام 2014، إضافة إلى أن البلاد تحولت إلى ورشة عمل تحج إليها ما لا يقل عن الربع من رافعات العالم.
من خلال نظرة فاحصة فوق سقف الخليج الغريق في بحر من النفط والغاز والأموال فإن قصة نجاح هذه الإمارة التي تعطي العالم 14 بالمائة من الغاز المسال تبدو مثيرة للإعجاب خصوصاً إذا قورن اقتصادها الناشئ بإقتصادات أكبر حجماً مثل المملكة العربية السعودية التي تعتبر رأس العالم النفطي منذ عقود طويلة.
وكتب أكاديمي سعودي هو أمين ساعاتي في صحيفة "الاقتصادية" في وقات سابق مقارناً بين نهوض الدوحة والرياض أن الأولى ستحقق ناتجاً محلياً حقيقياً عام 2008 يصل إلى 14،3 في المائة بينما الأخيرة لن يتجاوز ناتجها الحقيقي سقف 6،6 في المائة مما يجعله يتساءل عن جدوى تأثيرات السوق الخليجية على إقتصادات البلدان الست.
ويعتبر الاقتصاد القطري هو الأسرع نمواً في دول الخليج كما تقول تقارير اقتصادية دولية.
وحسب ما يقول الكاتب فإن العام 2024 سيحمل معه ولادة المواطن رقم مليون في قطر بينما سيدوي صراخ المولود رقم 30 مليون في أحد المستشفيات السعودية الضخمة. وفي ذلك العام سيكون دخل المواطن القطري سنوياً قد وصل إلى 42 ألف دولار، بينما نظيره السعودي لن يتجاوز دخله 26،6 ألف دولار ما لم تحدث معجزة.
وهذه المعجزة السعودية رهينة بنجاح المدن الاقتصادية التي أعتمدها الملك عبد الله بن عبد العزيز بتكلفة بلغت مليارات الريالات؛ وبها فإن الاقتصاد السعودي قد ينجح في أن "يخرج الأرنب من القبعة" محققاً قفزة جديدة بتوفيره أكثر من مليون وظيفة يصاحبها دخل إضافي لمملكة لا تزال تعتمد على النفط.
وسبق وأن اعتمدت قطر موازنتها للعام المالي 2008-2009 مع توقع فائض يتجاوز ملياري دولار على الرغم من رفع سعر برميل النفط الوسطي في احتساب العائدات، واعتبرت الموازنة الأكبر في تاريخ البلاد.
وقالت قطر أكبر مصدر في العالم للغاز الطبيعي المسال أنها تتوقع تحقيق فائض قدره 7.4 مليار ريال (2.03 مليار دولار) في السنة المالية المقبلة محققة إيرادات أكبر من مبيعات النفط بأسعار أعلى. وقالت الحكومة أن قطر تتوقع أن ينمو اقتصادها بمعدل 15.5 بالمائة بالأسعار الراهنة هذا العام متسارعا عن معدله عام 2007 مع توسعة قطاعات النفط والغاز وإنفاق المزيد على البنية الأساسية.
ونما الناتج المحلي الإجمالي القطري بمعدل 12.5 بالمائة العام الماضي بعد ارتفاع بأكثر من 30 بالمائة في كل من 2004 و2005 و2006 مع زيادة الإنتاج في الدولة التي تملك ثالث أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم.
ومع نمو اقتصادها واجهت قطر التي تربط عملتها بالدولار الأميركي تسارعا في معدل التضخم. وبلغ معدل ارتفاع الأسعار 13.7 بالمائة في الربع الأخير من العام مقتربا من أعلى مستوياته على الإطلاق.
هذه هي الصورة المثيرة للإعجاب. بيد أن هنالك صورة أخرى أكثر إثارة للجدل؛ فهذه الأمارة ذات الحكومة الشابة نسبياً قد غرقت في مواجهات سياسية كان من الممكن تجنبها لولا أنها كانت تحاول البحث عن دور أكبر من حجمها الجغرافي.
واستطاعت تحقيق ذلك بالفعل في العديد من المرات لولا أن حقائق الجغرافيا تجعلها رهينة العمق الإستراتيجي الذي هو جارتها المملكة السعودية نظراً لصغر مساحتها. وتجاوزت الرياض والدوحة معضلة خلاف دام ست سنوات رغم أن غيوم الماضي لا تزال في السماء حتى هذه اللحظة.
وتقود قطر تكتلاً سياسياً يرمي إلى إنشاء منظمة على غرار "أوبك" مخصصة للغاز وهي تحظى بدعم روسي.
أما الصورة الداخلية فتغطي عليها توقعات تشير إلى أن المرأة القطرية سوف تصبح أكثر ثقافة من نظيرها الرجل بسبب اهتمام السيدة الأولى في البلاد الشيخة موزة بصعود المرأة عبر توفيرها عدداً من البرامج التثقيفية.
وحصلت قطر على استقلالها في الثالث من شهر سبتمبر من العام (1972)، والأمير الحالي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، المولود عام (1952) هو الحاكم الثامن في تسلسل الأسرة التي حكمت البلاد.
في الخامس من أغسطس لعام2003، أصدر أمير قطر أمرا بقبول تنازل الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني عن ولاية العهد لصالح أخيه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وتم تعينه وليا للعهد. كما قام بتعيين الشيخ عبد الله بن خليفة آل ثاني رئيسا للوزراء عام (1996)، وفي العام نفسه أيضا تم تعيين الشيخ محمد بن خليفة آل ثاني في منصب نائب رئيس الوزراء.
وفي عام 2007 عين رجلاً مثيراً للجدل هو الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيساً للوزراء.
وعلى الرغم من أن قطر قد ألغت وزارة الإعلام مستبدلة إياها بمجلس أعلى وبالتالي ألغت الرقابة على الصحف إلا أنها لا تزال تسيطر فعلياً على إعلامها الورقي والفضائي إذ من النادر وجود انتقاد علني لأمير البلاد أو شاغري كراسي الوزارات السيادية أو حتى انتقاد بسيط لسياسة الحكومة في الصحف الرسمية.
وعجائب الدوحة لا تنتهي؛ فهي من جهة تحتضن أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط، ومن جهة أخرى تحتضن قناة الجزيرة التي تعتبر ذات توجه إسلامي وقومي، وتستقبل وزيرة الخارجية الإسرائيلية، وتستضيف قادة حماس المنظمة الموضوعة على لائحة المنظمات الإرهابية في العالم، ... ولا يمكن أن تضع نقطة آخر السطر في قائمة العجائب.
وهذا ما جعل لديها صفاً لا يعد ولا يحصى من الأعداء والمتشككين.
ويقول مناهضو الدوحة أن الشيخة موزة هي الحاكمة الفعلية للبلاد. لكن ذلك ليس صحيحاً. هناك ثنائية متناسقة بينها وبين زوجها الأمير الحاكم على غرار الأصابع التي تضرب على البيانو في أوقات معينة. وفي كل لحظة يحين وقت واحدة من هذه الأصابع كي تقوم بدورها. أما إن عزفت الأصابع العشر في وقت واحد فلن تظهر أي نغمة مفيدة كما يقول صناع الموسيقى.
وهناك بالفعل أصابع كثيرة تتشارك في صناعة الحكم القطري. لكن الذي يملك البيانو وكرسي العازف هو رجل واحد لا شريك له يحكم البلد منذ العام 1995. جاء على جناح انقلاب أبيض جاء به إلى السلطة. إنه حمد آل ثاني الذي يبدو أنه يعرف ماذا يفعل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق