الثلاثاء، 8 نوفمبر 2011

في وداع ستيف جوبز !


في قريتي الصغيرة، في اقصى الجنوب، كنت أتصفح مجلة ذي نيويوركر، كما لو إنني اشتريتها للتو من المكتبة اللندنية الشهيرة "ووتر ستون".

 كانت الرحلة للمكتبة عملية مرهقة أدمنتها منذ سنوات، قبل أن يحقق العلم، ما عجزت عن تحقيقه، ويحميني من وعثاء الطوابير، والقتال على النسخة الأخيرة، إن كانت كذلك. لقد جاءتني المجلة دون أن أذهب إليها، وتجولت بين عشرات الكتب دون أن أغادر سريري، وأبتعت ما أحب من أقراص الموسيقى، وأفلام الفيديو، دون أن أرتدي ملابسي، أو أن أعتذر عن موعد مهم، أو لقاء طال انتظاره.


كل ذلك ما كان ليحدث، لولا أن خلاَّقا مدهشاً، اسمه ستيف جوبز، عبر فوق خيط العلم، والتكنلوجيا، حتى وصل به إلى اللوح الرقمي المعجزة، آي باد، ومكننا من أن نصبح اكثر فاكثر، جزءا من عولمة هذه الكرة الكونية. قطع اللوح الإلكتروني المسافات، واختصر مدة طيران المعلومة، وحمانا من رقباء العقل، والفكر، وحاجبي المعلومة.

حين مرض جوبز عاش العالم قلقاً لا حدود له. حبس العالم أنفاسه. بدت الأحداث سريعة جداً، وكأنها مشهد في فيلم سينمائي: قرر جوبز النزول عن خشبة المسرح، بسبب عدم قدرته الصحية على قيادة دفة المشروع التكنلوجي. انتقلت القيادة إلى تلميذه ويده اليمنى تيم كوك. المستثمرون في آبل كان لديهم قلق حقيقي من مرحلة ما بعد جوبز، لدرجة دفعت الملياردير الشهير الوليد بن طلال، إلى التفكير جديا في مراجعة استثماراته في هذه البقرة الحلوب، التي صنعت مليارات، وثروات، ودولارات خضراء منعشة للمستثمرين.

 كانت تلك مشاهد الخوف من الاستقالة، فما بالكم بالموت؟

رغم ذلك لم تتغير المسألة، بل حافظت آبل على استدامة أرباحها، وقيمتها السوقية، حتى تفوقت الشركة على الدولة، وأصبحت آبل رابحة، وأميركا دولة عظمى، ترهقها ديون تقدر بالتريليونات!

اذا قرأنا سيرة جوبز، والتي صدرت بعنون "ستيف جوبز"، نجد أن الإصرار هو أس النجاح، لا الدراسة، ولا الشهادة، ولا الأسرة.

 في الكتاب الذي خطه الكاتب، والصحافي الأميركي المخضرم، وولتر آيزاكسون، المدير التنفيذي لكل من "معهد آسبين" التعليمي، وتلفزيون "سي إن إن" ومجلة "تايم"، نرى جوبز مقاتلاً صبوراً، قبل أن يكون موهوباً صاحب غريزة تدله على طريق النجاح. نرى رجلاً قفز فوق أسوار عالية من الفشل، وقبل ذلك كله، رجلاً أنتصر على هزيمته الداخلية المتمثلة في كونه لقيطا، ولم يشأ أن يفتش عن دفتر العائلة، معتبرا أن نجاحه هو تأشيرة الدخول إلى العالم.

كان جوبز يعمل حتى اللحظة الأخيرة، وكان محبوه يعتقدون أنه هبة من السماء للعالم، وكان العالم يعرف أنه قدم خدمة كبيرة للعلم، لدرجة تجعله قريبا من نيوتن، وداروين، وأينشتاين.

العلم، العلم، العقل، العقل، قلت لنفسي وأنا أرى صور الورود التي زرعت أمام كل محلات شركة آبل، في وداع جوبز، في مناحاة جماعية على فقيد التكنلوجيا. تذكرت ذلك أيضاً ًحين رأيت العالم الفيزيائي الشهير ستيف هوبكنج، وهو يتجول أمامي في احدى حدائق مدينة كيمبريدج الساحرة، مدفوعاً على عربة صغيرة، وكيف كانت كل أعضاءه مهشمة حتى صوته، ومع ذلك كان يملك ما لا يملكه الآخرون، وهو العقل الذي لم يغلقه احد.




في وداع ستيف جوبز - مجلة المجلة

هناك تعليق واحد: